فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (64):

قوله تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما علل فعل المستهينين، أتبعه تعليل أمر صنف آخر أخف منهم نفاقًا بما عندهم مما يقارب التصديق فقال: {يحذر المنافقون} وعبر بالوصف الدال على الرسوخ تحذيرًا لهم من أدنى النفاق فإنه يجر إلى أعلاه {أن تنزل} ولما كانت السورة الفاضحة لهم داهية ونائبة من نوائب الدهر وشدائده، عدى الفعل بعلى فقال: {عليهم سورة} أي قطعة من القرآن شديدة الانتظام {تنبئهم} أي تخبرهم إخبار عظيمًا مستقصي {بما في قلوبهم} لم يظهروا عليه أحدًا من غيرهم او أحدًا مطلقًا، لعل هذا الصنف كانوا يسلفون الأيمان لعلها تشكك بعض الناس أو تخفف عنهم إذا نزل ما يهتكهم، روي أنهم كانوا يقولون ما يؤدي ويدل على النفاق ويقولون: عسى الله أن لا يفشي علينا سرنا، وقال بعضهم بعد كلام قالوه: والله إني لأرانا شر خلق الله ولوددت أني قدمت فجلدت مائة جلدة وأنه لا ينزل فينا شيء يفضحنا.
ولما كان حذرهم مع العمل ينافيه من كلام النفاق فعل المستهزئ، قال مهددًا: {قل استهزءوا} أي افعلوا فعل المستهزئ بغاية الرغبة {إن الله} أي المحيط بكمال العلم وتمام القدرة {مخرج} أي كانت له وصف إخراجه {ما تحذرون} أي إخراجه من قبائحكم؛ وعن الحسن: كان المسلمون يسمون هذه السورة الحفارة، حفرت ما في قلوب المنافقين وأظهرته. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)}
واعلم أنهم كانوا يسمون سورة براءة، الحافرة حفرت عما في قلوب المنافقين قال الحسن: اجتمع اثنا عشر رجلًا من المنافقين على أمر من النفاق، فأخبر جبريل الرسول عليه الصلاة والسلام بأسمائهم، فقال عليه الصلاة والسلام: «إن أناسًا اجتمعوا على كيت وكيت، فليقوموا وليعترفوا وليستغفروا ربهم حتى أشفع لهم» فلم يقوموا، فقال عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: «قم يا فلان ويا فلان» حتى أتى عليهم ثم قالوا: نعترف ونستغفر فقال: «الآن أنا كنت في أول الأمر أطيب نفسًا بالشفاعة، والله كان أسرع في الإجابة، اخرجوا عني اخرجوا عني» فلم يزل يقول حتى خرجوا بالكلية، وقال الأصم: إن عند رجوع الرسول عليه الصلاة والسلام من تبوك وقف له على العقبة اثنا عشر رجلًا ليفتكوا به فأخبره جبريل، وكانوا متلثمين في ليلة مظلمة وأمره أن يرسل إليهم من يضرب وجوه رواحلهم، فأمر حذيفة بذلك فضربها حتى نحاهم، ثم قال: «من عرفت من القوم» فقال: لم أعرف منهم أحدًا، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم وعدهم له، وقال: «إن جبريل أخبرني بذلك» فقال حذيفة: ألا تبعث إليهم ليقتلوا، فقال: «أكره أن تقول العرب قاتل محمد بأصحابه حتى إذا ظفر صار يقتلهم بل يكفينا الله ذلك».
فإن قيل: المنافق كافر فكيف يحذر نزول الوحي على الرسول.
قلنا: فيه وجوه: الأول: قال أبو مسلم: هذا حذر أظهره المنافقون على وجه الاستهزاء حين رأوا الرسول عليه الصلاة والسلام يذكر كل شيء ويدعي أنه عن الوحي، وكان المنافقون يكذبون بذلك فيما بينهم، فأخبر الله رسوله بذلك وأمره أن يعلمهم أنه يظهر سرهم الذي حذروا ظهوره، وفي قوله: {استهزئوا} دلالة على ما قلناه.
الثاني: أن القوم وإن كانوا كافرين بدين الرسول إلا أنهم شاهدوا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يخبرهم بما يضمرونه ويكتمونه، فلهذه التجربة وقع الحذر والخوف في قلوبهم.
الثالث: قال الأصم: أنهم كانوا يعرفون كونه رسولًا صادقًا من عند الله تعالى، إلا أنهم كفروا به حسدًا وعنادًا.
قال القاضي: يبعد في العالم بالله وبرسوله وصحة دينه أن يكون محادًا لهما.
قال الداعي إلى الله: هذا غير بعيد لأن الحسد إذا قوي في القلب صار بحيث ينازع في المحسوسات، الرابع: معنى الحذر الأمر بالحذر، أي ليحذر المنافقون ذلك.
الخامس: أنهم كانوا شاكين في صحة نبوته وما كانوا قاطعين بفسادها.
والشاك خائف، فلهذا السبب خافوا أن ينزل عليه في أمرهم ما يفضحهم، ثم قال صاحب الكشاف: الضمير في قوله: {عَلَيْهِمْ} و{تُنَبّئُهُمْ} للمؤمنين، وفي قوله: {فِى قُلُوبِهِمْ} للمنافقين ويجوز أيضًا أن تكون الضمائر كلها للمنافقين، لأن السورة إذا نزلت في معناهم فهي نازلة عليهم، ومعنى {تُنَبّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم} أن السورة كأنها تقول لهم في قلوبهم كيت وكيت، يعني أنها تذيع أسرارهم إذاعة ظاهرة فكأنها تخبرهم.
ثم قال: {قُلِ اسْتَهْزءُواْ} وهو أمر تهديد كقوله: {وَقُلِ اعملوا} [التوبة: 105] {إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} [التوبة: 64] أي ذلك الذي تحذرونه، فإن الله يخرجه إلى الوجود، فإن الشيء إذا حصل بعد عدمه، فكان فاعله أخرجه من العدم إلى الوجود. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {يَحْذَرُ المنافقون}
قال الزجاج قوله: {يَحْذَرُ} لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر، أي ليحذر المنافقون؛ ويقال: هو على وجه الخبر يحذر يعني: يخشى المنافقون.
وذلك أن بعضهم قال: لو أني جلدت مائة جلدة، أحب إليّ من أن ينزل فينا شيء يفضحنا، فنزل: {يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبّئُهُمْ} يعني سورة براءة تنبئهم {بِمَا فِي قُلُوبِهِم} من النفاق.
وكانت سورة براءة تسمى الفاضحة.
{قُلْ استهزءوا إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ}، يعني: مظهر ما تخافون من إظهار النفاق. اهـ.

.قال الماوردي:

{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ...} الآية.
فيه وجهان:
أحدهما: أنه إخبار من الله تعالى عن حذرهم، قاله الحسن وقتادة.
والثاني: أنه أمر من الله تعالى لهم بالحذر، وتقديره ليحذر المنافقون، قاله الزجاج.
وفي قوله تعالى: {... تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِم} وجهان:
أحدهما: ما أسرّوه من النفاق.
والثاني: قولهم في غزوة تبوك: أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها؟ هيهات هيهات. فأطلع الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا، قاله الحسن وقتادة.
{قُلِ اسْتَهْزِئُواْ} هذا ويعد خرج مخرج الأمر للتهديد.
{إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: مظهر ما تسرون.
والثاني: ناصر من تخذلون. اهـ.

.قال ابن عطية:

{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ}
قوله، {يحذر} خبر عن حال قلوبهم، وحذرهم إنما هو أن تتلى سورة ومعتقدهم هل تنزل أم لا ليس بنص في الآية لكنه ظاهر، فإن حمل على مقتضى نفاقهم واعتقادهم أن ذلك ليس من عند الله فوجه بين، وإن قيل إنهم يعتقدون نزول ذلك من عند الله وهم ينافقون مع ذلك فهذا كفر عناد، وقال الزجّاج وبعض من ذهب إلى التحرز من هذا الاحتمال: معنى يحذر الأمر وإن كان لفظه لفظ الخبر كأنه يقول ليحذر وقرأ أبو عمرو وجماعة معه {أن تنْزَل} ساكنة النون خفيفة الزاي، وقرأ بفتح النون مشددة الزاي الحسن والأعرج وعاصم والأعمش، و{أن} من قوله: {أن تنزل} مذهب سيبويه، أن، {يحذر} عامل فهي مفعوله، وقال غيره حذر إنما هي من هيئات النفس التي لا تتعدى مثل فزع وإنما التقدير يحذر المنافقون من أن تنزل عليهم سورة، وقوله: {قل استهزئوا} لفظه الأمر ومعناه التهديد، ثم ابتدأ الإخبار عن أنه يخرج لهم إلى حيز الوجود ما يحذرونه، وفعل ذلك تبارك وتعالى في سورة براءة فهي تسمى الفاضحة لأنها فضحت المنافقين، وقال الطبري: كان المنافقون إذ عابوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا شيئًا من أمره قالوا لعل الله لا يفشي سرنا فنزلت الآية في ذلك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا يقتضي كفر العناد الذي قلناه. اهـ.